وَعَنْ عَلِيٍّ I: فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ H قَالَ: «وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَاحِدَةً». أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيْحٍ، بَلْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: إِنَّهُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي البَابِ.
تخريج الحديث:
حديث علي: رواه أبو داود (111)، والترمذي (48)، وإسناده صحيح.
فقه الحديث:
المسألة الأولى: عدد مسحات الرأس([1]):
الذي عليه جمهور العلماء: أن السنة أن يمسح المتوضئ على رأسه مرة واحدة، ولا يستحب أن يمسحه ثلاث مرات؛ للأدلة الآتية:
الدليل الأول: حديث علي I، وفيه: «وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَاحِدَةً»، وقد روى الدارقطني (1/92)، والبيهقي (1/63) من حديث علي I: «وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلاثًا»، ولا يصح، قال البيهقي: «والذي رواه الجماعة عن علي I أن النبي H مسح برأسه واحدة إلا ما شذ منها». ا.هـ
الدليل الثاني: حديث عثمان I السابق، فقد ذكر حمران مولاه عنه أنه غسل كل عضو ثلاثًا، وذكر مسحه على الرأس، ولم يذكر أنه مسحه ثلاثًا؛ فظاهره أنه مسحه مرة واحدة، ثم قال عثمان: «رأيت رسول الله توضأ نحو هذا».
وقد روى أحمد (1/61)، وأبو داود (1/127، 130) وغيرهما عن عثمان I أنه قال: «وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثَلاَثًا»، ولا يصح أيضًا، قال أبو داود بعد أن روى عنه المسح على الرأس ثلاثا: «أَحَادِيثُ عُثْمَانَ I الصِّحَاحُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ أَنَّهُ مَرَّةٌ». اهـ
الدليل الثالث: حديث عبد الله بن زيد I في الصحيحين ـ في صفة وضوء رسول الله ـ قال: «فَمَسَحَ رَأْسَهُ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ مَرَّةً وَاحِدَةً».
المسألة الثانية: عدد غسلات بقية الأعضاء([2]):
عامة العلماء على أنه يستحب أن تغسل أعضاء الوضوء ثلاث مرات، إلا الرأس ففيه خلاف كما سبق.
ولو اقتصر على مرة واحدة في جميع الأعضاء فهو جائز بلا خلاف، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس L قال: «تَوَضَّأَ النَّبِيُّ H مَرَّةً مَرَّةً»، أي: غسل الأعضاء مرة واحدة.
المسألة الثالثة: الزيادة على أكثر من ثلاث غسلات([3]):
روى الإمام أحمد (2/180)، والنسائي (1/88) وغيرهما، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وذكر وضوء النبي H ثم قال: قال رسول الله H: «فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ»، وهذا الحديث سنده حسن.
ومعنى «أساء»، أي: أساء الأدب مع الشرع، فجعله الشرع ثلاث غسلات ويجعله هو أكثر من ذلك.
و«ظلم»، أي: تعدى وتجاوز الحد عندما زاد على المطلوب.
وقد ذهب الشافعية وغيرهم إلى كراهية الزيادة على ثلاث غسلات.
وذهب الإمام أحمد وغيره إلى أنها لا تجوز الزيادة على الثلاث بدون عذر، وهذا الأقرب.
([1]) انظر الأوسط (1/395)، شرح مسلم (3/91)، التمهيد لابن عبد البر (20/123).
([2]) انظر شرح مسلم (3/91)، بداية المجتهد (1/13)، فتح الباري (1/315).
([3]) انظر المغني (1/194)، المجموع شرح المهذب (1/438)، فتح الباري (1/315).