وَعَنْ أبي هريرة قال رسول الله «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلَا يَغْمِسُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا، فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدَهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ.
تخريج الحديث:
حديث أبي هريرة: رواه البخاري (162)، ومسلم (278)، وليس عند البخاري قَوْلُهُ: (ثلاثا).
فقه الحديث:
المسألة الأولى: حكم غسل اليدين بعد الاستيقاظ من النوم قبل غمسهما في الإناء([1]):
نهى النبي H من استيقظ من نومه أن يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات، وهذا النهي عند جمهور العلماء للكراهة فقط؛ فعلة النهي: قَوْلُهُ: «فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدَهُ»، فربما طافت يده في موضع النجاسة، فتتنجس، وقد لا يدري ما بات فيها، فقد يكون الشيطان بات في يده، كما أن الشيطان يبيت في الخيشوم، فيريد الشيطان أن يعبث بها، وهذه العلة علة مشكوكة، فهي قرينة صارفة للنهي عن التحريم، فالتعليل له بأمر يقتضي الشك، والشك لا يقتضي التحريم، استصحابًا لأصل الطهارة إلا إذا وجدت النجاسة يقينًا في يده، فيجب غسلها.
والمذهب عند الحنابلة: أنه يحرم غمسهما في الإناء قبل غسلهما ثلاثا؛ لأن النهي عند الإطلاق للتحريم، وما عليه جمهور العلماء هو الأرجح؛ لما سبق ذكره.
المسألة الثانية: هل هذا النهي خاص بنوم الليل ([2])؟
ذهب جمهور العلماء إلى أنه يعم نوم الليل ونوم النهار، وقد جاء تقييده بنوم الليل في رواية عند أبي داود (103): «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ»، وهذه الرواية سندها على شرط صحيح مسلم، وذكر الليل فيها من باب التغليب؛ وذلك لأمرين:
الأول: أن نوم الليل طويل، فهو مظنة لكثرة حركة اليد عند النوم.
الثاني: أن الناس ينامون في الليل، وكثير من الناس لا ينام في النهار.
فلا يستثنى نوم النهار من هذا النهي، ودخول نوم النهار في هذا النهي وجيه؛ لوجود علة النهي أيضًا في نوم النهار: فإنه لا يدري أين باتت يده، فربما وقعت في موضع النجاسة، أو نام فيها الشيطان.
([1]) انظر شرح مسلم (1/154)، فتح الباري (1/354)، الإنصاف (1/130)، نيل الأوطار (1/137).
([2]) انظر المراجع السابقة.