وَعَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ L قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ H: «إِذَا خَرَصْتُمْ, فَخُذُوا, وَدَعُوا الثُّلُثَ, فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ, فَدَعُوا الرُّبُعَ». رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا اِبْنَ مَاجَهْ, وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ, وَالْحَاكِمُ.
(619) 22- وَعَنْ عَتَّابِ بنِ أُسَيْدٍ L قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ H أَنْ يُخْرَصَ الْعِنَبُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ, وَتُؤْخَذَ زَكَاتُهُ زَبِيبًا. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ, وَفِيهِ انْقِطَاعٌ.
تخريج الحديثين:
حديث سهل بن أبي حثمة I: رواه أحمد (3/448)، وأبو داود (2105)، والنسائي (5/42)، والترمذي (643) وغيرهم، وفي إسناده عبد الرحمن بن مسعود ابن نيار مجهول. وله إسناد آخر عن سهل بن أبي حثمة I أن عمر I بعثه على خرص التمر وقال: «إِذَا أَتَيْتَ أَرْضًا فَاخْرُصْهَا، وَدَعْ لَهُمْ قَدْرَ مَا يَأْكُلُونَ»، رواه الحاكم (1/402) بإسناد صحيح، فالحديث لا يصح عن النبي H، لكنه ثبت عن عمر بن الخطاب I بنحوه.
وحديث عتاب بن أسيد I: رواه أبو داود (1603)، والنسائي (5/209)، والترمذي (644)، وابن ماجه (1819)، ولم يروه أحمد، وهو عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عتاب، وفيه انقطاع، فسعيد لم يسمع من عتاب رضي الله عنه، وأيضًا أكثر أصحاب الزهري رووه مرسلًا عن الزهري عن رسول الله، ورجح الإرسال أبو زرعة والدارقطني([1])، فالصحيح أنه من مراسيل الزهري.
فقه الحديثين:
المسألة الأولى: خرص النخل والعنب قبل صلاحها لأجل الزكاة([2]):
هو تقدير ما على النخل من الرطب، وما على الكرم من العنب؛ ليعرف مقدار العشر الذي يخرج في الزكاة من خلال هذا التخريص، ويؤخذ عند قطع الثمار، والتخريص: هو التقدير بالتخمين والظن لا على سبيل اليقين، ثم يخلى بين الثمر وبين المالك، وهذا التخريص يكون من قبل الدولة لا من قبل صاحب المال.
والفائدة من هذا التخريص: التوسعة على أرباب الثمار؛ ليتناولوا منها ويتصدقون ويهدون.
والتخريص للثمر الذي يزكى جائز عند جمهور العلماء؛ لما جاء في حديث سهل وعتاب L أن النبي H أمر بتخريص النخل والعنب، وثبت عن عمر I، وهو الراجح، وإذا لم يخرص؛ فلا شيء فيه.
ولا يكون التخريص في غير النخل والعنب كالحبوب في سنبله؛ لأن الشرع لم يأت بذكر الخرص فيها، ولا يقاس على ثمرة النخل والعنب؛ للفارق بينها، فالنخل والعنب يؤكل رطبًا، فيخرص على أهله للتوسعة عليهم، وقد نقل بعض أهل العلم الإجماع على أنه لا يخرص الزرع في سنبله.
المسألة الثانية: ترك مقدار من الثمرة -العنب والنخل- لا يؤخذ عليه الزكاة([3]):
هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء:
المذهب الأول: مذهب الحنابلة: أنه يجوز للخراص أن يترك من الثمرة عند الخرص لصاحب الأموال قدرًا من الثمرة لا يأخذ عليها الزكاة توسعةً عليهم، كأن يقول: «هذا الربع لا نأخذ عليه الزكاة، ونأخذ الزكاة من الثلاثة الأرباع المتبقية»، لأنهم يحتاجون لإقراء الضيف، وإطعام الجيران والأصدقاء، وإعطاء المتسولين الذين أتوا عند قطع الثمرة، ومنه الساقط والهالك.
ويدل على هذا: ظاهر ما جاء عن رسول الله H في حديث سهل بن أبي حثمة، وما جاء عن عمر بن الخطاب I.
واختلفوا في مقدار ما يترك؛ فقيل: لا تؤخذ الزكاة من الثلث أو الربع بحسب اجتهاد الساعي، ففي حديث سهل بن أبي حثمة I: «وَدَعُوا الثُّلُثَ، فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ، فَدَعُوا الرُّبُعَ».
وقيل: يترك منه قدرًا بدون تحديد بحسب الحاجة، فقد جاء عن عمر I أنه قال: «وَدَعْ لَهُمْ قَدْرَ مَا يَأْكُلُونَ».
والمذهب الثاني: مذهب المالكية والشافعية: أن الخراص يقدر الزكاة من جميع الثمرة ولا يترك منها شيئًا، لعمومات الأدلة التي فيها أن الزكاة تؤخذ من كل المال الذي نص الشرع على أن فيه الزكاة، كقَوْلُهُ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ». ومعنى ما جاء عن النبي H: «وَدَعُوا الثُّلُثَ، فَإِنْ لَمْ تَدَعُوا الثُّلُثَ، فَدَعُوا الرُّبُعَ»، أن الساعي يدع لأصحاب المال جزءًا من الزكاة المقدرة من الثمرة حتى يفرقها صاحب المال بنفسه للمستحقين من الفقراء.
والمذهب الثاني أقرب؛ عملًا بالعمومات، لا سيما مع ضعف حديث سهل, وأثر عمر إما يحمل على هذا، وإما يقال: هو اجتهاد صحابي, لا يترك العمل بظاهر القرآن والسنة لاجتهاده, والله أعلم.
([1]) الإرواء (3/213).
([2]) المغني (4/173، 177)، الإنصاف (3/110)، عون المعبود (4/345)، حاشية السندي على سنن النسائي (5/45).
([3]) انظر المراجع السابقة.