الخميس ، ٢٣ يناير ٢٠٢٥ -

الرئيسية

المقالات العامة

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ, فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا. بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ?». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ, فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا. بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ?». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
4

وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ  قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ, فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا. بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ?». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ  أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ».

تخريج الحديث:

حديث جابر: أخرجه مسلم الرواية الأولى: (1554). الراوية الثانية (1556).

فقه الحديث:

مسألة: وضع الجوائح([1]):

الجوائح: مفردها جائحة، وهي الآفة التي تحل بالزرع أو الثمار فتفسده، كالرياح الشديدة، والمطر الشديد، والبرد والحر الشديدان.

وقد اختلف العلماء في الزرع والثمار التي تباع بعد بدو صلاحها، ثم أصابتها جائحة؛ هل هي على البائع أم المشتري؟

القول الأول: أنها على المشتري ولا يضمنها البائع؛ لأنها قد صارت ملكًا للمشتري وقبضها بالتخلية بينه وبينها، وإن كانت لا زالت في أرض البائع، والخراج بالضمان، أي: أن المشتري يضمن؛ لأن الخراج له. وقد جاء في صحيح مسلم عن أبي سعيد I: «أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ الله H فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا أي: اشتراها-، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله H: تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ، فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ رَسُولُ الله H لِغُرَمَائِهِ: خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ»، فلو كان الضمان على البائع لأسقطه عن المشتري ولمَا طلب الناسَ أن يتصدقوا عليه، ولمَا أعطى الغرماء ما اجتمع للمشتري من الصدقة.

وأجابوا على حديث جابر I بأجوبة:

  1. أنه حديث ضعيف مضطرب.
  2. أن الأمر فيه للاستحباب من باب الإحسان والمروءة وليس واجبًا على البائع؛ لأن الزرع أو الثمر هلك في ملك المشتري، فكان عليه غرمه.
  3. أن الضمان يلزم على البائع إذا باع الثمار قبل بدو صلاحها فأصابتها الجائحة، لأن الثمر قبل بدو الصلاح يكون عرضة للجائحة والعاهة، فيأخذ البائع مقابل شيء لم ينتفع به المشتري، ويدل على صحة هذا القيد ما جاء في الصحيحين عن أنس I: «أَنّ النَّبِيَّ H نَهَى عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ، فَقُلْنَا لِأَنَسٍ: مَا زَهْوُهَا؟ قَالَ: تَحْمَرُّ، وَتَصْفَرُّ، أَرَأَيْتَكَ إِنْ مَنَعَ الله الثَّمَرَةَ، بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ؟»، فجعل أخذ ماله بغير حق إذا أصيبت الثمر علة للنهي عن بيع الثمار قبل صلاحها.

وهذا مذهب الحنفية والظاهرية، والصحيح عند الشافعية، وقول بعض الحنابلة.

القول الثاني: أن الضمان يكون على البائع، ولا يأخذ من المشتري شيئًا، إلا إذا كان التلف يسيرًا حقيرًا فهو على المشتري.

ودليله: ما جاء عن النبي H أنه قال: «لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا. بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ؟»، وفي رواية: «أَنَّ النَّبِيَّ H أَمَرَ بِوَضْعِ الجَوَائِحِ»، وهو حديث صحيح أخرجه مسلم، ولا حجة لمن ضعفه.

والضمان هنا واجب على البائع، ففي حديث جابر I: «فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا»، وغير الحلال هو الحرام، وفي الراواية الأخرى: «أَنَّ النَّبِيَّ H أَمَرَ بِوَضْعِ الجَوَائِحِ»، والأمر يقتضي الوجوب، ولا دليل على صرفه للاستحباب.

وحَمْلُ ما جاء في هذا الحديث على بيع الثمار قبل بدو صلاحها، يُرَدُّ عليه من وجوه:

  1. أن ما جاء فيه لم يقيَّد ببيع الثمار قبل بدو صلاحها.
  2. أن بيع الثمار قبل بدو صلاحها محرم، وسياق حديث جابر I يدل على جواز هذا البيع، قال: «لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا»، فيحمل على بيع الثمار بعد بدو صلاحها.
  3. أن علة النهي عن أخذ مقابل الثمرة التي أصابتها الجائحة هو أخذ مال المشتري بغير حق؛ لأنه لم ينتفع بالثمرة، فيكون الأخذ مقابل الثمرة ظلمًا له. وهذا المعنى موجود في الثمار إذا بيعت قبل بدو الصلاح أو بعده، إذا أصابتها الجائحة، وقد أمر رسول الله H بوضع الجوائح عمومًا.

والجواب على ما جاء في حديث أبي سعيد I أنه قضية عين تدخلها الاحتمالات، منها:

  1. أنه ليس فيه أن ثمره أصيب بجائحة سماوية، فلعله أصيب بسبب كساد الثمرة حتى تلفت، أو بسبب رخص ثمنها.
  2. لعله تأخر في قطعها عن وقت الجذاذ المعتاد، فكانت من ضمانه لتفريطه.
  3. لعلها أصيبت بجائحة بعد قطفها وجذِّها، وفي هذه الحالة لا يضمن البائع، فقد أخذت من شجره.

ويجاب على قولهم: «إن الأصل أن الضمان على المالك، فالخراج بالضمان» بجوابين:

  1. أن ما جاء هنا لا يدخل في حديث «الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ»؛ لأن القبض للثمر لم يكن قبضًا تامًّا، إنما مجرد تخلية، ولا زالت الثمرة في أرض البائع، فتدخل في ضمانه، لعدم وجود القبض التام، فهذه مسألة أخرى.
  2. أن مسألة وضع الجوائح تستثنى من عموم «الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ» الذي هو الأصل بأدلة خاصة بها.

وهذا مذهب المالكية، والمذهب عند الحنابلة، وقول الشافعي في القديم، ولم يعتمده في الجديد؛ لتضعيفه لحديث جابر I، وقد قال: «لو صح حديث جابر I لم نتعداه». وهذا القول الثاني -أن الضمان على البائع- هو الأرجح والله أعلم؛ لقوة أدلتهم وتعاليلهم وأجوبتهم على المخالف.

 

([1]) شرح مسلم (10/183)، المغني (6/177)، المحلى مسألة (1422)، بداية المجتهد (2/186)، التمهيد لابن عبد البر (2/190)، سنن البيهقي (5/305)، مجموع الفتاوى (29/49)، الإنصاف (5/74).

4 قراءة
فتاوى الشيخ
المصحف الشريف
مع التفسير
الأكثر زيارة
آخر الإضافات
تهنئة